كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ} واختلف القرّاء فيه فقرأ أهل المدينة والشام: يُقتروا بضم الياء وكسر التاء، وقرأ أهل الكوفة بفتح الياء وضم التاء، غيرهم بفتح الياء وكسر التاء وكلّها لغات صحيحة، يقال: أقتَر وقَتَر يَقتِرُ ويَقتُر مثل يعرشون ويعكفون، واختلف المفسرون في معنى الإسراف والإقتار، فقال بعضهم: الإسراف: النفقة في معصية الله وإن قلّت، والاقتار: منع حق الله سبحانه وتعالى، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج وابن زيد.
أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري قال: حدّثنا محمد بن عمر بن إسحاق الكلوادي قال: حدّثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال: حدّثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء الرملي قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا سهيل بن أبي حزم عن كثير بن زياد أبي سهل عن الحسن في هذه الآية قال: لم يُنفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عن فرائض الله.
وقال بعضهم: الإسراف أن تأكل مال غيرك بغير حق.
قال عون بن عبد الله بن عتبة: ليس المسرف من أكل ماله، إنما المسرف من يأكل مال غيره.
وقال قوم: السرف: مجاوزة الحد في النفقة، والإقتار: التقصير عما ينبغي مما لابد منه، وهذا الاختيار لقوله: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ} أي وكان إنفاقهم بين ذلك {قَوَامًا} عدلًا وقصدًا وسطًا بين الإسراف والإقتار.
قال إبراهيم: لا يجيعهم ولا يعريهم، ولا ينفق نفقة تقول الناس: قد أسرف.
مقاتل: كسبوا طيّبًا، وانفقوا قصدًا، وقدموا فضلًا، فربحوا فأنجحوا.
وقال يزيد بن أبي حبيب في هذه الآية: أُولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون طعامًا للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثوبًا للجمال ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدُّ عنهم الجوع ويقويهم على عبادة ربّهم، ومن الثياب ما يَسترُ عوراتهم ويكنّهم من الحرّ والقرّ.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش قال: حدّثنا ابن زنجويه قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثنا عبد الرزاق عن أبي عيينة عن رجل عن الحسن في قوله سبحانه: {يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ} إنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: كفى سرفًا أن لا يشتهي رجل شيئًا إلا اشتراه فأكله.
{والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ} الآية.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي قال: أخبرنا المؤمّل بن الحسن بن عيسى قال: حدّثنا الحسن بن محمد قال: حدّثنا حجاج عن أبي جريح قال: أخبرني يعلى يعني ابن مسلم عن سعيد بن جبير سمعه يحدّث عن ابن عباس أنّ ناسًا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة فنزل {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ} ونزل {ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} [الزمر: 53] وقيل: نزلت في وحشي غلام ابن مطعم.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن يوسف السلمي قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر والثوري عن منصور والأعمش عن أبي وائل.
وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان وعبد الله بن عبد الرحمن قالا: حدّثنا يوسف بن عبد الله بن ماهان قال: حدّثنا محمد بن كثير قال: حدّثنا سفيان بن الأعمش ومنصور وواصل الأحدب عن أبي وائل.
وأخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا عبد الله بن نمير قال: أخبرنا الأعمش عن شقيق عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله أيّ الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك، قلتُ: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، قلت: ثم أيّ؟ قال: إن ترى حليلة جارك» فأنزل الله سبحانه تصديق ذلك {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ}.
قال مسافع: {وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ} الآية.
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدثنا ابن حنش، قال: أخبرنا ابن زنجويه قال: أخبرنا سلمة بن عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: ذُكر لنا أنّ لقمان كان يقول: يا بُني إياك والزنا فإن أوله مخافة وآخره ندامة {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} الذي ذكرت {يَلْقَ أَثَامًا} قال ابن عباس: إثمًا، ومجازه: تلق جزاء الآثام.
وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن حفصويه، قال: حدّثنا محمد بن موسى قال: حدّثنا زهير بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن زياد قال: حدّثنا الكلبي، قال: حدّثنا شرقي القطامي، قال: حدّثني لقمان بن عامر، قال: حدّثني أبو أُمامة الباهلي صدي بن عجلان، فقلت: حدّثني حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فدعا لي بطلاء ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لو أن صخرة زنة عشر عشروات قذف بها في شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفًا، ثم ينتهي إلى غيّ وأثام، قال: قلت: وما غيّ وأثام؟ قال: نيران يسيل فيها صديد أهل النار، وهما اللتان قال اللّه سبحانه في كتابه {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا} [مريم: 59] و{يَلْقَ أَثَامًا}».
وأخبرنا بو عمرو سعيد بن عبد اللّه بن إسماعيل الحيري قال: أخبرنا العباس بن محمد بن قوهباد قال: حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن زرين السلمي. قال: أخبرنا حفص بن عبد الرحمن، قال: حدّثنا سعيد عن قتادة، عن أبي أيوب عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن أثامًا واد في جهنم، وهو قول مجاهد، وقال أبو عبيد: الأثام: العقوبة.
قال الليثي:
جزى الله ابن عروة حيث أمسى ** عقوقًا والعقوق له اثامًا

أي عقوبة.
{يُضَاعَفْ لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} قرأهُ العامة بجزم الفاء والدال، ورفعهما ابن عامر وابن عباس على الابتداء.
ثمَّ قال: {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} الآية.
أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا موسى بن هارون الجّمال قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد الشافعي قال: حدّثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله ابن عمر بن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ} الآية.
ثمَّ نزلت {إِلاَّ مَن تَابَ} فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط فرحه بها وفرحه ب {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 1- 2].
وأخبرني الحسين بن محمد الفنجوي قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن علي اليقطيني قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يزيد العقيلي قال: حدَّثنا صفوان بن صالح قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا عبد العزيز بن الحصين عن ابن أبي نجيح قال: حدّثني القاسم بن أبي برة قال: قلت لسعيد بن جبير: أبا عبد الله أرأيت قول الله سبحانه وتعالى {وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} إلى قوله: {إِلاَّ مَن تَابَ} قال: سمعت ابن عباس يقول: هذه مكيّة نسختها الآية المدنية التي في سورة النساء {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] ولا توبة له.
وروى أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت أنّه دخل على أبيه وعنده رجل من أهل العراق وهو يسأله عن هذه الآية التي في الفرقان والتي في سورة النساء {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} [النساء: 93]، فقال زيد بن ثابت: قد عرفت الناسخة من المنسوخة نسختها التي في النساء بعدها ستّة أشهر.
وروى حجاج عن أبي جريج قال: قال الضحّاك بن مزاحم: هذه السورة بينها وبين النساء {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} ثماني حجج، والصحيح أنّها محكمة.
روى جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء قال: اختلفتُ إلى ابن عباس ثلاث عشرة سنة فما شيء من القرآن إلاّ سألته عنه ورسولي يختلف إلى عائشة، فما سمعته ولا أحد من العلماء يقول: إنّ الله سبحانه يقول لذنب: لا أغفره.
{فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا}.
قال ابن عباس وابن جبير والضحّاك وابن زيد: يعني فأُولئك يبدّلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام، فيبدّلهم بالشرك إيمانًا، وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصانًا، وقال الآخرون: يعني يبدّل الله سيّئاتهم التي عملوها في حال إسلامهم حسنات يوم القيامة، يدلّ على صحّة هذا التأويل ما أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الحافظ في داري قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن برزة قال: حدّثنا أبو حفص المستملي قال: حدّثنا محمد بن عبد العزيز أبي رزمة قال: حدّثنا الفضل بن موسى القطيعي عن أبي العنبس عن ابنه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليتمنّينّ أقوام أنّهم أكثروا من السيئات. قيل: مَن هم؟ قال: الذين بدّل الله سيئاتهم حسنات».
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن مالك القطيعي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا وكيع قال: حدّثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: أعرضوا عليه صغار ذنوبه قال: فيعرض عليه ويخفى عنه كبارُها فيقال: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا، وهو مقرّ لا ينكر وهو مشفق من الكبائر فيقال: أعطوه مكان كلّ سيئة عملها حسنة. قال: فيقول إنّ لي ذنوبًا ما أراها، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتّى بدت نواجذه».
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا عبيد الله عن عبد الله بن أبي سمرة البغوي ببغداد قال: حدّثنا محمد بن أحمد الطالقاني قال: حدّثنا محمد بن هارون أبو نشيط قال: حدّثنا أبو المغيرة قال: حدّثنا صفوان قال: حدّثني عبد الرحمن بن جبير عن أبي الطويل شطب الممدود أنّه أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله أرأيت رجلًا عمل الذنوب كلّها ولم يترك منها شيئًا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلاّ اقتطعها بيمينه، فهل لذلك مِن توبة؟ قال: هل أسلمت؟ قال: أنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّك رسوله، قال: نعم تفعل الخيرات وتترك الشهوات يجعلهنّ الله خيرات كلهن، قال: وغدراتي وفجراتي، قال: نعم، قال: الله أكبر، فما زال يكبّر حتى توارى».
وأخبرني ابن فنجويه في عصبة قال: حدّثنا محمد بن علي بن الحسن قال: حدّثنا عبد الرَّحْمن بن أبي حاتم قال: حدّثنا أبو نشيط قال: حدّثنا أبو المغيرة قال: سمعت مبشر بن عبيد وكان عارفًا بالنحو والعربية يقول: الحاجة الذي يقطع على الحُجّاج إذا توجهوا، والداجة الذي يقطع عليهم إذا قفلوا {وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتابًا} رجوعًا حسنًا.
{والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال الضحاك: يعني الشرك وتعظيم الأنداد، علي بن أبي طلحة: يعني شهادة الزور، وكان عمر بن الخّطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة، ويسخم وجهه، ويطوف به في السوق، يحيى بن اليمان عن مجاهد: أعياد المشركين ليث عنه: الغناء وهو قول محمد بن الحنفية بإسناد الصالحي عن إبراهيم بن محمد بن المنكدر قال: بلغني أنَّ اللّه تعالى يقول يوم القيامة: أين الذين كانوا ينزّهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان أدخلوهم رياض المسك، أسمعوا عبادي تحميدي وثنائي وتمجيدي، وأخبروهم أن لا خوف عليهم ولاهم يحزنون.